24‏/6‏/2010

أدهم خنجر

أدهم خنجر .... المجاهد الشاب ومفجّر ثورة 1922
1895 – 1923م
كانت النسوة تعملن بهمة في قصر (خنجز الصعبي) ببلدة (المروانية) بجبل عامل، في أحد أيام العام 1895 ، بينما يذرع خنجرالمكان قلقاً، وهو ينتظر خبر ولادة زوجه (خديجة التامر) التي أنجبت العديد من البنات.
 خرجت امرأة قائلة:يمكنك الدخول.

 نظر إلى الزوجة فبادرته متغلبة على الآلام:
تحقق حلمك، وجاء من يحمل اسمك. يا أبا أدهم

فشعر أن الدنيا لا تتسع فرحته...فيما يلي انصبّ اهتمام خنجر الأب على اعطاء ابنه خبرته في الحياة وفنون القول والحرب وركوب الخيل.

ولم يتصور أن (أدهم) سيصبح أشهر ثائر في تاريخ جبل عامل على الرغم من عمره القصير

ذلك الشاب الذي يتحدر من أسرة (علي صعب) مؤسس الأسرة الصعبية التي انحدر منها آل الدرويش وآل سهيل والصعبي وآل شبيب، وينتهي نسبها إلى صلاح الدين الأيوبي

كانت تركيا طوت أعلامها عندما التحق أدهم بمدرسة الأميركان في (الميِّة وميِّة) قضاء صيدا
وما أن تشكلت المملكة السورية حتى بدأت طلائع المؤامرات التقسيمة لسوريا الطبيعية تطل برأسها، وفصل لبنان عن سوريا

بعد مباحثات المفوض الفرنسي كليمنصو والبطريرك الماروني الياس الحويك.
وما أن ارتسمت أول خيوط المؤامرة حتى بدأت السواحل السورية
تغلي بأحداث ودسائس عبر عملاء الدول الاستعمارية
الذين كانوا يعملون بهمة ونشاط لرسم كيانات هزيلة يمكن السيطرة عليها.

كان أدهم في مقتبل العمر، بهي الطلعة، جميل الصوت، أزرق العينين، أشقر الشعر،معتدل الصحة ، شديد التهذيب، طويل القامة، سريع البديهة، متفوق في دراسته هادئ الطبع، كثير التأمل ، قليل الكلام ، على جانب كبير من عزة النفس والكرامة .

 يلاحظ كيف أن العملاء يخطرون في أسواق صيدا وصور وهم يوجهون الإهانات والتحدي للأهالي الذين يؤيدون العهد الفيصلي مطالبين بعدم انفصال "دولة لبنان الكبير" عن سورية الأم

بدأت (الفكرة) تتبلور في نفسه وهو على مقاعد الدراسة ، وراح يخطط لثورته، وجمع حوله الكثير من الرجال بسرية تامة .

أوَّل بداية الثورة لديه كانت بعد أن عاد إلى بيت زوج شقيقته راشد عسيران لقضاء العطلة المدرسية ، شكا لأخته مظالم الفرنسيين وعملائهم
وبعد ذلك بساعتين سمعت أخته أول أنباء إشعاله للثورة.

 أول أحداث ثورته كانت عندما التقى بجنديين فرنسيين يمتطيان جواديهما على طريق صيدا-الغازية
جردهما من السلاح وأسرهما وأخذ فرسيهما. وتناقلت الأنباء اشتباك أدهم ورجاله مع عصابة من عملاء الفرنسيين في صور كانت تعمل على إذكاء الفتنة الطائفية بدعم من أسيادهم

ذهب إلى ( زعورة) والتقى الثائر (صادق حمزة الفاعور) للتنسيق معه.
 فوجه الفرنسيون له حملة كبيرة فقصد بلدة القريا في جبل العرب

وبعث صادق الثائر (أبا زلكي) يحرسه من بعيد، ومع ذلك أسرته قوة فرنسية، وساقته إلى درعا. فقام صادق ورجاله بقطع سكة الحديد بين درعا ودمشق وحرروا أدهم من آسريه وعادا لمتابعة أعمال الثورة.

وجهت السلطات الفرنسية اتهاما إلى أدهم بالاشتراك مع مجموعة الثائر أحمد مريود التي نفذت محاولة اغتيال الجنرال هنري غورو في (23) حزيران 1921 في موقع (كوم الويسية) قرب قرية الشوكتلية  على بعد 12 كيلو مترا من القنيطرة.

وأصدرت المحكمة العسكرية حكماً بالإعدام على المجاهدين أحمد مريود وخاله محمد ومحمود البرازي وشكيب وهاب وأدهم خنجر في 28 حزيران 1921

ثم وجه الفرنسيون حملات للقبض عليهم، ففر بعضهم إلى إمارة شرق الأردن، لكن السلطات تابعتهم، وطلبت من السلطات الإنكليزية المنتدبة على فلسطين وشرق الأردن تسليمهم إليها

كان أدهم آنذاك في أربد بضيافة الثائر صادق حمزة الذي عينه ( رشيد طليع ) رئيس الحكومة الأردنية قائداً عسكرياً لها

وحين ضغطت السلطات البريطانية على أمير شرق الأردن (عبدالله بن الحسين) لتسيلم أدهم

اتصل الأمير بصادق وطلب منه تسيير ضيفه بعيداً عن إربد لأن السلطات الفرنسية والبريطانية تعرف مكانه

فتوجه إلى جبل العرب

واعتقله الفرنسيون وأعوانهم في بلدة القريا في 17/تموز 1922 م

علم سلطان باشا الاطرش الذي كان في (أم الرمان) بأن أدهم التجأ إلى بيته، فأسرع إلى بلدته، ووصلته في هذه الأثناء رسالة من أدهم يعلمه فيها بما حصل

ويصف أدهم حادثة الاعتقال في رسالة إلى سلطان بعد اعتقاله بيوم واحد. جاء فيها


سيدي صاحب العطوفة سلطان باشا الأفخم

أعرض لعطوفتكم بأنني كنت قاصداً دياركم العامرة لأجل أن أحتمي فيها من نوائب هذا الزمان
فعندما وصلت ألقى القبض عليّ مدير الدرك والعسكر وأخذوا حصاني وأمتعتي كلها، وبعدها سألوني عن اسمي فجاوبتهم بالواقع
وبعد أخذ إفادتي ذهبوا بي إلى الكفر. وبعد مضي خمس ساعات في البلد ذهبوا بي إلى السويداء
والآن أنا قيد السجن. فالآن أصبحت حياتي في يد الحكومة الفرنسية،
ولا يمكن تخليصها إلا بمساعدتكم. وعلى كل حال لكم في العادة أن تحموا وتخلصوا كل "منداق"
وأنا لولا ما كنت أمين على حياتي بوجود عطوفتكم، ما كنت أتيت جهراً
والآن دخلت دياركم العامرة مستجيراً وداخل في حريمكم وفي أولادكم، حتى في كل الطرشان

18 تموز (يوليو) 1922

الداعي أدهم خنجر الصعبي




أرسل سلطان أخاه (علي) لمقابلة المستشار (ترانكا). فكان رده استفزازياً

الرجل في القلعة، ليأت أخوك ويأخذه
لقد صار في حوزة الجند الفرنسي

 عندكم
 المحافظة على الضيف
وعندي
 المحافظة على الجاني.

فأرسل سلطان رسالة إلى المندوب السامي ببيروت لكنه لم يستجب

بعد فشل الحل السلمي جمع سلطان أهالي قريته وعرض الموضوع

فثارت حميتهم وهبّوا لإنقاذ ضيفهم

واتجهوا إلى رساس جنوب السويداء التي سرعان ما توافدت بيارق القرى إليها يسير تحتها نحو ألفي فارس

إضافة إلى فرسان عشيرة السردية بقيادة خلف الكليب


وطوق الثوار السويداء
وفي 21 تموز عام 1922 اشتبك الثوار عند تل الحديد غرب السويداء

مع قوة فرنسية تساندها ثلاث مصفحات قدمت من درعا لنقل أدهم فاستولوا على مصفحتين

وهربت الثالثة، وقتل الضابط بوكسان وثلاثة جنود فرنسيين، وأسر أربعة جنود، ولم يقتل من الثوار أحد

حضر وفد مكون من سليم الاطرش حاكم الجبل المدني وأعضاء بالبرلمان للتوسط وإطلاق سراح الأسرى الفرنسيين

وبعد نقاش حاد كاد يتطور إلى صدام مسلح اتفق الجانبان على:

أن يفك الثوار الحصار عن السويداء، وتعود قواتهم إلى قراها، ويسلم الجنود الأسرى الأربعة

مقابل تعهد الوفد بتسليم أدهم لسلطان سالماً في أقرب وقت

حنث الفرنسيون بوعدهم، ونقلوا أدهم بالطائرة من السويداء إلى دمشق.

فقال سلطان: ... على الأرض نحن لهم، أما في السماء (الجو) فلا حول ولا قوة إلا بالله.

والتجأ الثوار إلى الأردن وشنوا عمليات عبر الحدود في مناوشات ما عرف
بثورة 1922

في هذه الأثناء حوكم أدهم في دمشق وجاهياً وحكم عليه بالإعدام. ونقل في 22/تشرين الثاني 1922 إلى سجن القلعة ببيروت
وبقي ستة أشهر ينتظر نتيجة استئناف الحكم الذي رفع إلى المجلس الحربي الأعلى في باريس، لكن المجلس صادق حكم الإعدام

كان أدهم بالنسبة لأحرار سورية من المجاهدين
لا يمكن تصنيفه في زمرة الجناة والمجرمين
 كما أعلنت السلطات الفرنسية

وبسبب اعتقاله نشبت الثورة الأولى عام 1922

وليس الثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام 1925


وفي الساعة الخامسة من صباح يوم الأربعاء 30 أيار 1923م حضر أربعة من الجنود الفرنسيين إلى سجن القلعة واقتادوا أدهم إلى سيارة شاحنة نقلته إلى منطقة الروشة برأس بيروت

اصطفت في الساحة فرق من الجنود تتقدمها هيئة ديوان الحرب، وثلة الموسيقا العسكرية، وبضعة عشر نفراً من سكان المحلة

ترجل أدهم حاملاً بيده كوفية وعقالاً، وبالأخرى لفافة تبغ ، ثم اقتاده الجنود الأربعة إلى خشبة نصبت وسط الساحة، وأحكموا وثاقه حولها وكان ظهره إلى البحر في مواجهة دزينة من الرماة على بعد ستة أمتار عنه

وعندما حاولوا ربط عينيه رفض أن توضع العصابة السوداء على عينيه. ثم أمر "الأوجودان" الجنود الإثني عشر فأطلقوا النار وقد أصاب معظمم رصاصهم جمجمته

تقدم "الأوجودان" وأطلق رصاصة من مسدسه في أذن الشهيد
نفذ حكم الإعدام بأدهم خنجر ولم يتجاوز الثامنة والعشرين من العمر ودفنت جثته في مقبرة الباشورة بشكل سري

قبل أيام من تنفيذ الحكم منح الفرنسيون أدهم الصعبي مطلباً يلبونه له، فطلب زيارة بلدته وأمه. فاقتاده أربعة من الدرك المروانية

فبكى

قالت له أمه : أتبكي وأنت الذي أبكى فرنسا

قال:
أبكي لأنني عندما كنت ثائراً كانوا يوجهون لي أربعة آلاف جندي

والآن يرسلون معي أربعة من الدرك!



SAB Archive






*


ليست هناك تعليقات: